الأربعاء، يناير 06، 2010

البيروقراطية للجميع




اليوم لن اكون ساخرا كما تعودتم منى ,فقد مضى وقت السخرية المصطنعة ولندخل الى عالم السخرية الواقعية .......
ولمن لا يعرف فالواقعية هى المدرسة التى تميز بها المخرج كمال الشيخ قديما فى افلامه .....
اذكر منها على سبيل المثال فيلم ( حياة او موت ) ....طبعا لن يتذكر احد الفيلم مثلى ,الا اذا كان من هواة حفظ اسماء الافلام ,والقديمة منها على الاخص .....لن اجعلك تحتار كثيرا فهو الفيلم الشهير الذى نتذكره دائما بأشهر مقولات السينما المصرية على الاطلاق ..."من حكمدارية القاهرة الى احمد ابراهيم القاطن بدير النحاس, لا تشرب الدواء الذى ارسلت ابنتك فى طلبه , الدواء فيه سم قاتل .."
و الذى لا شك فيه هى روعة الفيلم , والذى لا اتأكد منه فى الاساس هو ان الحكمدارية بجلالة قدرها تهتم لمقتل شخص بسم قاتل اخطأ الصيدلى فى تركيبه , والذى لا تخطوءه عين ان الامر لو حدث الان , لشاهدنا ميلودى افلام ...وفاصل اعلانى يعلن فيه تهامى باشا لوديع خبر وفاة الاخ احمد ابراهيم بعد شرب السم القاتل , ويرد وديع عليه استاذ .....
كل ما سبق ليس له علاقة مباشرة بالموضوع الا اذا كنت من محبى الافلام القديمة , او اذا كنت مثلى قد شاهدت فيلم (بالالوان الطبيعية ) مؤخرا .......ستعرف ما اقصده تماما .
سأحاول تجسيد الموقف بالتحديد لكن فى نطاق واقعى بحت , وبدون اى الوان طبيعية ....
المكان : مقر مكتب العمل ........................
الغرض : محاولة الحصول على كعب عمل.........................
اذهب فى وقت تخطى الثانية عشر , اتوقع الا اقابل بأى ترحاب فقد تأخرت كثيرا عن المواعيد المفضلة لموظفى المكان , الذين تنتهى مهام وظيفتهم فى الحادية عشر على اقصى تقدير ليقضوا باقى الوقت فى نقاشات جانبية فى امور حياتهم كنوع من التسلية المشروعة ..................
ادنو من المكاتب المتشابكة التى اعرفها جيدا كمكاتب بيتنا , احاول اختيار اطيب موظفة يبدو من شكلها انها ستتعاون معى بدون مشاكل ......
تختارنى هى لا انا من يختار , وبصوت حاد النبرات ....خير عاوز ايه ؟
اجيب بتوتر كالمعتاد : عاوز اعمل كعب عمل ....
اظهر اوراقى التى اعددتها وصورتها قبل الصعود للطابق الرابع لكثرة خبرتى فى الحصول على تلك الورقة اللعينة , احاول ان اتجاهل نظرات الموظفة لى بتحفز كقاتل محترف اتى ليخلص الناس من شرورها ......., تدير نظرها نحوى فى ترقب كوكيل نيابة مخضرم , تباغتنى بسؤال اتوقعه وجاهز للرد عليه .....انت عملت كعب عمل قبل كده ؟؟؟
اجيب ببلاهة - فأنا اعرف غرضها جيدا من السؤال - ...لا دى اول مرة ...
ترد بأحتراف وقد كشفت امرى ....ازاى انت واخد تأشيرة على الشهادة هنا تفيد انك اخدت كعب فى تاريخ (..-...- 2008 )......يالا غبائى نسيت تبديل الشهادة بأخرى غير مؤشر عليها من قبل موظف اخر....
احاول الهروب من المأزق بكلام من نوعية ...مش متأكد , اصل انا مش فاكر بالضبط .... فتجيب بالية رجل الى عتيد اعتاد على الردود الجاهز .......
مافيش مشكلة هات جواب من التأمينات يفيد بموقفك من التأمينات ...
اذن الخطوة المتوقعة التى اتوقعها فى حالة الفشل قد اتت ....اذن لا مفر ( ما اتوقع حدوثه هناك سيحدث بالتأكيد )
توجهت الى التأمينات ....
بعد لف وتدوير وصلت الى مقر المكتب .....طلب منى التحرى عن موقفى من خلال الشاشة الالكترونية ( الكومبيوتر يعنى ...بس هما بيحبوا يدلعوه )
بعد تجاهل اكثر من موظف يمتلك تلك الشاشة اللعينة , تساعدنى احدهم فى الحصول على الموقف ...وتخبرنى انى مؤمن عليا - الحمد لله متأمن عليا مع الحكومة ......... طيب ما انا عارف - , ارد عليها طيب وايه المشكلة , تقولى مش هنقدر نديلك جواب من هنا , انت تجيب جواب من المكان اللى انت متأمن عليك فيه ( مكتب تأمينات مصر القديمة ) ...!!!!!!
اسألها بغضب شديد .....طيب امال ايه فايدة الشاشة الالكترونية ؟؟؟؟ مش المفروض ان الشبكة دى معمولة عشان اى مكتب يدينى الجواب .........حاجة غريبة والله , ترفض اصلا الاجابة على السؤال ....وتقول بصوت روتينى هو ده النظام هنا .........
حاولت مرة اخرى مع موظف اخر , وبمجرد اخباره بكود التأمين الخاص بى والذى يوضح منطقة الاصدار , اشعرنى اننى جاهل بالروتين الحكومى المعقد , ازاى عاوز جواب من هنا وانت متأمن عليك فى مكتب تانى ؟؟
كدت افقد اعصابى واتهور.....يا جدعان امال انتم هنا ليه . لازم تبعتونى للمكتب اللى انا متأمن عليا فيه , فمثلا لو المقر الرئيسى لمكان عملى فى اسوان , وانا من السويس ..طبعا اروح اسوان اجيب ورقة من التأمينات هناك تفيد انى متأمن عليا عندهم , وارجع بيها تانى لمكتب العمل فى محل اقامتى لكى يعطونى تلك الورقة الحقيرة المسماه بكعب العمل .........

اين هى الحكومة الالكترونية اللعينة ...التى يتفاخرون بها ليل نهار , واين اللامركزية فى الادراة , واين هو التخلص من البيروقراطية والروتين الحكومى ؟؟
لا يحضرنى هنا سوى استخدام نفس شعار الحملة القومية للقراءة برعاية ماما سوزان ..... ولكنى سأجعلها للبيروقراطية .........................
وهو ( البيروقراطية للجميع )

ليست هناك تعليقات: